صراع العمالقة .. إينفانتينو وبلاتر وبلاتينى

بقلم  دكتور ياسر ايوب

مثلما لا يظهر من جبال الثلج وسط المحيطات سوى قممها البيضاء الصغيرة بينما تخفى المياة حجمها الحقيقى بكل ضخامتها وصلابتها .. هناك أيضا قضايا لا تظهر منها إلا عناوينها الرئيسية والمباشرة بينما تختفى خلف أوراقها حكايات وحقائق كثيرة وأكاذيب أكثر .. وتبقى قضية سيب بلاتر رئيس الفيفا السابق وميشيل بلاتينى الرئيس السابق للاتحاد الأوروبى لكرة القدم إحدى هذه القضايا التى تشبه جبال الثلج .. وأيا كان الحكم الذى ستصدره المحكمة الجنائية الفيدرالية السويسرية فى الثامن من يوليو المقبل سواء بإدانة بلاتر أو بلاتينى .. فالمؤكد أن الحكاية أكبر كثيرا من ذلك .. وبعيدا عن جلسات القضية التى بدأت الخميس الماضى فى بيلينتسونا .. توقع صحفيون كثيرون أن تكشف هذه القضية عن أسرار جديدة وحكايات أخرى تنضم لملف فساد الفيفا الذى بدأ يفتحه ويقرأه العالم منذ 2015 بعد تحقيقات أمنية وجنائية وأحكام قضائية سويسرية وأمريكية .. فبلاتينى على سبيل المثال لم ينتظر انتهاء هذه القضية السويسرية الحالية إنما أقام دعوى أخرى أمام القضاء الفرنسى يتهم فيها رئيس الفيفا الحالى جيانى إينفانتينو وعدد من رجال النيابة والقضاء السويسرى بالتحايل والتأمر ضده لتشويه صورته وإبعاده عن رئاسة الفيفا رغم أنه كان الأحق بها والأقرب إليها .. وأن هؤلاء قاموا بذلك حتى يفسحوا الطريق أمام إينفانتينو ليشغل منصب رئيس الفيفا الذى لم يكن يستحقه ولم يكن ليصل إليه لولا كل ما جرى
وتتلخص القضية السويسرية الحالية التى تنظرها محكمة بيلينتسونا السويسرية الفيدرالية فى اتهام بلاتر وبلاتينى بالاحتيال على الفيفا وحصول بلاتينى على مليونى فرنك سويسرى عن طريق الغش والتلاعب بمساعدة وتخطيط بلاتر .. وقال بلاتر أنه اتفق أثناء رئاسته للفيفا مع بلاتينى فى أغسطس 1999 ليعمل بلاتينى مستشارا له وللفيفا مقابل ثلاثمائة ألف فرنك سويسرى سنويا وأن يزيد هذا المبلغ إلى سبعمائة ألف فرانك حين تسمح ميزانية الفيفا بذلك .. وبناء على هذا الاتفاق قدم بلاتينى بعدما أصبح رئيسا للاتحاد الأوروبى لكرة القدم مذكرة يطلب فيها الحصول على مليونى فرنك سويسرى قيمة بقية مستحقاته المالية لدى الفيفا .. ووافق بلاتر على ذلك ووقع أمرا بصرف هذا المبلغ لبلاتينى .. وبالتالى أكد بلاتينى أن ما تقاضاه من مال كان مشروعا وليس فيه أى شبهة فساد أو تحايل .. وعارض المدعى العام السويسرى توماس هيلدبراند كل ذلك مؤكدا أنه ليس هناك عقد رسمى مكتوب بين الفيفا وبلاتينى حتى يمكن الاستناد إليه .. إنما مجرد اتفاق شفوى بين بلاتر وبلاتينى دون أى شهود أو قرارات رسمية .. وقال توماس أن الفيفا لم يكن فى ذلك الوقت مؤسسة تعانى أزمة مالية حتى يمكن استيعاب أن بلاتينى سيعمل مقابل 700 ألف فرنك لكنه سيتقاضى مؤقتا 300 ألف فرنك إلى حين يسمح الموقف المالى للفيفا بصرف هذه الزيادة لبلاتينى .. وقدم توماس للمحكمة الفيدرلية مستندات تثبت أن الفيفا فى 1999 كان يملك أكثر من 21 مليون فرنك سويسرى نقدا زادوا بعد مونديال 2002 ليصبح رصيد الفيفا 327 مليون فرنك .. فلماذا انتظر بلاتر وبلاتينى سنوات كثيرة حتى يطلب بلاتينى ما يزعم أنه بقية مستحقاته التى قال أنها مليونا فرنك .. ووفقا لنظام العمل بالفيفا ولوائحه المالية فإنه لا يستقيم صرف مثل هذا المبلغ دون عقود ودوم ذكر له فى حسابات الفيفا مع توضيح أسباب الصرف وأسس تحديد المبلغ .. وقال المدعى العام السويسرى أنها قضية فساد واضحة وأن ما يزعمه كل من بلاتينى وبلاتر لا يمكن تصديقه وقبوله أو الاقتناع به
ورغم ذلك .. لم يطالب الإدعاء العام السويسرى بعقوبات مشددة لبلاتر وبلاتينى حيث يمكن وفقا للقانون السويسرى أن يحكم القضاء بسجن الرجلين خمس سنوات .. إنما يطالب الإدعاء العام السويسرى بالسجن سنة ونصف مع وقف التنفيذ مع وضعهما تحت المراقبة لمدة سنتين .. وعارض ذلك لورينز إرنى محامى بلاتر مؤكدا براءة بلاتر وبلاتينى وصحة كل الاجراءات المصاحبة لصرف هذا المبلغ لبلاتينى دون أى مخالفات مالية أو قانونية وبالتالى لا سبب أو مبرر لسجن الرجلين حتى لو ليوم واحد
وقال البعض أن فكرة المطالبة بالسجن مع إيقاف التنفيذ تؤكد احساس حتى الخصوم ببراءة بلاتر وبلاتينى .. وأن القصد فقط هو مزيد من التشويه وتلطيخ السمعة والصورة بأحكام قضائية وعدم الاكتفاء بعقوبات الفيفا الداخلية بمنع بلاتر وبلاتينى من ممارسة أى نشاط يتعلق بكرة القدم .. وكان الرد على ذلك أن طلب وقف التنفيذ هو مجرد مراعاة للحالة الصحية لبلاتر وهو فى السادسة والثمانين من العمر .. وكانت القضية مفروض أن تبدأ جلساتها يوم الأربعاء الماضى لكنها تأجلت للخميس بعد طلب بلاتر ذلك الذى كان يشكو التعب والاعياء وذهب فى اليوم التالى للمحكمة بصحبة محاميه وابنته كورين .. ومن ناحية أخرى .. وعلى هامش هذه القضية كانت تصريحات بلاتينى المثيرة للجدل التى نشرتها صحيفة صن الإنجليزية واعترف فيها بالتلاعب بقرعة مونديال 1998 لضمان ألا تواجه فرنسا البرازيل إلا فى النهائى .. واستند البعض إلى ذلك تأكيدا على أن بلاتينى ليس فوق مستوى الشبهات والشكوك
ومن ناحيته .. أكد بلاتينى أن كل ما يحدث حاليا فى الفيفا وطيلة الفترة الماضية ليس إلا فضيحة من صنع إينفانتينو الذى كان يرأسه بلاتينى فى الاتحاد الأوروبى .. وأن إينفانتينو كان أول من عرف بالاستقرار على بلاتينى ليخلف بلاتر فى رئاسة الفيفا فتم تدبير كل ذلك حتى يبتعد بلاتينى تماما وينفرد إينفانتينو بكل شىء .. وأكد بلاتينى أنه لن يسكت وسيفضح كل من تآمر ضده أيا كان موقعه أو مكانته وقوته .. وهو ما يعنى أنه لا تزال لدينا حكايات كثيرة سنكتشفها فى الأسابيع المقبلة .. فالصراع الدائر ليس بين ضعفاء أو مغمورين .. إنما صراع بين عمالقه كل منهم يعرف الكثير ويستطيع الكثير أيضا