موقع إخباري شامل تتابعون فيه مستجدات الأحداث العربية والعالمية على مدار الساعة، وتغطية مستمرة لأخبار السياسة والرياضة والاقتصاد والعلوم والفن والتكنولوجيا.

نحن الوحيدين

 

 

بقلم / محموددرويش

 

نحن الوحيدين جدًا ، لا نجتمع إلا في صفحات كاتب سوداوي يعرف الكثير عن الوحدة . نحن أبناء حزن “فرانز كافكا”، فلسفة “نيشتة”، اكتئاب “دستويفسكي” وعبثية “البير كامو”.

نحن كل الكتابات الحزينة التي كتبها أُدباء مجهولون كانوا يعانون من الوحدة والحزن، نحن مقطوعة حزينة لعازف إنتحر من الإكتئاب ، نحن الخطوط التي رسمها “ڤان جوخ” بيدٍ مرتعشة قبل أن ينتحر ، نحن الكلمات الأخيرة لـ “دليدا” قبل انتحارها والرعشة الأخيرة لـ “غاندي” قبل أن يُغتال

نحن أصحاب الجداريات الحزينة في الأزقة والحواري، قاطني العشوائيات الفقيرة من الحب المزينة بالكذب والنفاق، نحن أولئك الذين نسلوا من كل من كان يُعاني من مُتلازمات الخوف واضطرابات الإكتئاب.

نحن أولئك الذين يجلسون في الصفوف الأخيرة في المحاضرات لا يُلاحظ أحد وجودنا ولا يهتم أحد بغيابنا.

نحن أصدقاء الليل والحزن، نحن من لا يعرف أحد حقيقتنا ومهما إقترب منا أحد لا يحظى إلا بمعرفة القليل جدًا عنا.

نحن الوحيدين جدًا الذين لا يملكون شخصًا يبكون معه على الأشياء التافهة قبل الهامة، نحن أولئك الذين اعتادوا الفقد والألم والوجع، الذين يتألمون لبكاء الأطفال، للمشاهد الدموية، وقد نبكي لمشاهدة مشهد حزين في فيلم سينمائي، نحن من لا يملك أي أسباب لأفعالنا ولا نعرف كيف يمكن تبريرها أو حتى الدفاع عن أنفسنا.

نحن أولئك الذين إعتادوا السهر دون سبب واضح، من لا نملك مبرراً للتأمل في السقف، في السماء، في متابعة أشكال النجوم، وقد نخلق من أشكال السحاب رفقاء لنا.

نحن أصحاب الأدمغة العتيقة التي تفشل المهدئات في تسكينها، أولئك الذين يتعكر مزاجهم بكلمة عابرة، أصحاب المزاج المتغير بشكل متواصل ونوبات البكاء والحزن المفاجئ.

نحن الذين لا يهتم أحد بنا فلم نعد نهتم لأمر أحد، نحن أصحاب الأسئلة الوجودية التي لا إجابة لها، من اعتادوا الصمت في أشد المواقف التي تستدعي الحديث، نحن من لا تؤخذ كلماتنا على محمل الجد أبدًا ، نحن من نخلق الحجج لنعتذر عن حضور الحفلات و التجمعات، نحن أصدقاء الجميع ولا صديق لنا، أولئك الذين اتخذوا الموسيقى رفيقًا لهم.

نحن كل الأشخاص الذين يسيرون في الشوارع وقت هطول المطر، من يبكون في غرفتهم مساءً ويستيقظون في الصباح كما لو أنهم لم يبكوا لساعات، نحن أصحاب الرسائل التي لم ترسل، والوجع الذي لا ينطق، والأمنيات التي لم تتحقق

نحن الوحيدين جدًا المُزيفين أمام الناس، الصادقين أمام أنفسهم، نحن من لا نملك إلا قلوباً مكسورة وأحلاماً محطمة وأمنياتنا أصبحت في طي النسيان.

نحن المنسيين لكن لا ننسى، الموجوعين الذين لا يقدرون على إيلام أحد، والمُسالمين حد اعتداء البعض على مشاعرنا دون رد فعل منا.

نحن الوحيدين جدًا في كل شيء، في عزلتنا، في لحظات اكتئابنا ، ولا يعرف أحد عن أوجاعنا، نحن من نبكي في صمت ونتألم في صمت ونصرخ في صمت.

نحن المزاجيين المصابين بلعنة التفاصيل والوسواس القهري ومتلازمات الخوف والقرب والإهتمام ، نحن صراخات الألم التي لا تسمع ورعشات الحزن الخافية، نحن الذين لا نجتمع أبداً لكن يعرف بعضنا الآخر، نجتمع في الحزن والاكتئاب والسكون والظلام الدامس، وسط الزحام نختبئ في المقاعد الأخيرة ونختفي عن نظرات الشفقة السخيفة.

نحن الوحيدين جدًا كـآخر طفل على الأرض في مدينة الموتى.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

error: محتوى محمى !!