موقع إخباري شامل تتابعون فيه مستجدات الأحداث العربية والعالمية على مدار الساعة، وتغطية مستمرة لأخبار السياسة والرياضة والاقتصاد والعلوم والفن والتكنولوجيا.

العالم والصراع على الهوية ” جزء 5

بقلم / محمـــد الدكـــروى

ونكمل الجزء الخامس مع العالم والصراع على الهوية، وأن بلا شك أن الشريعة الإسلامية تحتوي بوفرة على جميع المبادئ اللازمة للنهوض، وأن الإسلام هو الدين الوحيد الذي يمتلك القدرة على استيعاب أطوار الحياة المختلفة في كل العصور، ولم يقف عالم الإسلام صامتا، ولم يستسلم، بل واجه العداء بالمقاومة والوحدة والقتال، واستطاع أن يديل القوى الصليبية الشرسة، وأن يصهر القوى التتارية المغولية في بوتقته، حتى أصبحت هذه القوى التي جاءت تريد القضاء على الإسلام من أقوى وأضخم القوى التي حملت راية الإسلام فيما بعد حيث تحولوا إلى مسلمين مخلصين، ولقد أصبح هذا الحدث الضخم وهو هجوم التتار على بغداد أولا.

 

 

ثم إسلامهم وحملهم راية الإسلام ثانيا من أقوى الأمثلة على قدرة الهوية الإسلامية على إخضاع الهويات الأخرى وصهرها لها، حتى وإن كان المسلمون في حالة ضعف وانهزام، ثم كان لظهور المماليك والعثمانيين، وحملهم راية الإسلام أعظم الأثر في كسر الغرور الصليبي، وبالأخص بعد فتح القسطنطينية على يد القائد الشاب محمد الفاتح، ولكن أنى للحقد الصليبي أن ينام أو يقر له قرار؟ ولما بدأ الضعف يدب في جسم الدولة العثمانية، التي ظلت تحمل راية الإسلام في وجه الأعداء عدة قرون، وبسبب البعد عن تعاليم الإسلام، وعدم الأخذ بالأسباب في جوانب الحياة، والثقة الزائدة بالنفس، وعدم الاكتراث بالأعداء، وفي المقابل كان العدو المحيط بالدولة.

 

 

يتربص بها الدوائر بكل جهده في إعداد نفسه ليثأر لكرامته بعد تجرع كأس الذل بفتح القسطنطينية، وتحويل أكبر كنيسة بها إلى مسجد، فلما أحس بعض سلاطين آل عثمان بالخطر، وفي مقدمتهم محمود الثاني، حاول أن ينهض بالدولة، وكان يوقن إيقانا تاما أن أوربا لا يمكن أن تضرب وترد إلى ديارها إلا بسلاح أوروبي، وبغير هذا لا يستطيع الشرق أن يقف أمامها ويوقف زحفها، وبهذا بذل جهده، وحاول بكل الوسائل أن يحقق لبلده المستوى الحضاري الأوروبي كي يستطيع مقابلة هذا الخطر الداهم، ويكون لديه إمكانية ردعه، والوقوف أمامه، وكان ينقص هذا دراسة أحوال وظروف الشعب الذي أرادوا رفع مستواه، فمما لا جدال فيه حتمية وجود أرض خصبة.

 

 

لبذر هذه الحضارة، وإلا يبست قبل أن تنبت، ويعتريها الذبول إن نبتت بين شعب لا يملك مقومات رعاية الحضارة، وليست لديه رغبة تقبلها أي لا بد من وجود عوامل تتناسب مع إرادة التطور، وتساعد على دفعها ورعايتها، فحياة شعوب الشرق اتسمت بالجمود، لا تعرف له بديلا، ولم يكن من السهل إثناء الشعب عما اعتاده، أو تغيير هذه العادات، فمحمود الثاني حاول وضع الحضارة الأوروبية على أرز شرقي يبس وتحجّر، وصار غير مستساغ، ولقد قام الحكام بعملين يتطلعون من ورائهما إلى النهوض بالأمة، وهو إرسال بعثات إلى الغرب، ولقد حاول الحكام إرسال بعض الشخصيات، كي تتزود بخبرة الغرب، وتأتي وهي مزودة بالعلم والحضارة.

 

 

ولكن هذه الشخصيات ذهبت وهي مفرغة من عقيدتها، فكان من السهل أن تتلقفهم المحافل الماسونية، ومن ثم فقد وقعوا فريسة في أيدي أعداء الإسلام، وقاموا بإعدادهم كي يقطع الشجرة أحد فروعها، ومن ثم فقد عادت هذه الشخصيات وهي متنكرة لا تحمل لأمتها انتماء، وإن ركن المعلم في العملية التعليمية لا يقل أهمية عن ركني المنهج، والتلميذ، ولمكانة المعلم وأثره في بناء المجتمع، فقد حث الإسلام على احترامه وتكريمه، إذ بدون احترامه وتكريمه لن يخرج ما عنده من علوم ومعارف، ومما لا شك فيه أن عدم احترامه، ومن ثم عدم نصحه، يحدث انقطاعا في التراكم الثقافي بين أجيال الأمة، ولا يخفى أثر هذا الانقطاع على تقدم الأمة وتحضرها.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

error: محتوى محمى !!