موقع إخباري شامل تتابعون فيه مستجدات الأحداث العربية والعالمية على مدار الساعة، وتغطية مستمرة لأخبار السياسة والرياضة والاقتصاد والعلوم والفن والتكنولوجيا.

العالم والصراع على الهوية ” جزء 4″

بقلم / محمـــد الدكـــروى

ونكمل الجزء الرابع مع العالم والصراع على الهوية، ومن ثم ينظر إلى الاستعمار الأجنبي نظرته إلى المنكر الذي تتحتم إزالته، ويتحتم كفاحه تحقيقا لعزة الإسلام، وصيانة لكرامة المسلمين، وابتغاء لمرضاة الله، وثمة منبع ثالث للخطر على الاستعمار من العقيدة الإسلامية، أنها عقيدة تجعل من الوطن الإسلامي كله وحدة، من اعتدى على شبر منهم فقد اعتدى عليهم جميعا، وعندئذ يتحتم على كل مسلم في أطراف الأرض كلها أن يعلن الجهاد لرد الخطر عن ذلك الشبر الواحد من تلك الرقعة الإسلامية العريضة، وما من مسلم في أقصى الأرض، ما من مسلم حق، يسمع أو يعلم أن عدوا داس على شبر من أرض الإسلام، ثم لا يندب نفسه للذود عن أرض المسلمين وكرامة المسلمين.

 

 

وهنا يكمن الخطر الأكبر على الاستعمار، خطر التجمع والتكتل تحت لواء واحد للمقاومة والكفاح، بروح التضحية والفداء” وتعد هذه الخصيصة من أعظم الخصائص التي تميزت بها الهوية الإسلامية، والتي كانت سببا في إذابتها لكثير من الهويات في بوتقتها، لقد ارتفعت بعض الهويات في فترات زمنية سواء كانت طويلة أو قصيرة، ولكنها كانت ترتكز في ارتفاعها هذا على الحديد والنار كوسيلة للقضاء على كل هوية تعترض طريقها، أما الهوية الإسلامية، فإنها في سعيها للارتفاع تسعى لفتح الإنسان عبر متطلبات فطرته الشمولية، وإذا تم فتح الإنسان باقتناع عقله وانفتاح قلبه، استسلم الحديد والنار تلقائيا بإسلام حاملهما، وإن الواقع الأليم والتيه الذي تحياه البشرية.

 

لا يمكن الخلاص منه، والعالم يرفض الإسلام ويلتمس الشفاء من مواضع الداء، وإن دراسة العالم المعاصر تدلنا على أن فيضان النهضة المادية قد وصل إلى آخر مداه، وأنها غير قادرة على إعطاء السكينة لقلب الإنسان، وإن داء القلق وانعدام الثقة قد غزا الجيل الجديد في العالم كله، إن هذه الأحوال تتيح فرصة ذهبية لحاملي دين الفطرة لإرواء عطش العالم ولإظهار دين الله” فإن هويتنا الإسلامية هي التي جعلت عبدالملك بن مروان يأمر المنادي أن ينادي في موسم الحج أن لا يفتي الناس إلا عطاء بن أبي رباح إمام أهل مكة وعالمها وفقيهها، ومن عطاء؟ كان مولى لبني فهر، وكان رضي الله عنه أسود، أعور، أفطس، أشلّ، أعرج، مفلفل الشعر.

 

 

لا يتأمل المرء منه طائلا، وكان إذا جلس في حلقته العلمية بين الآلاف من تلاميذه، بدا كأنه غراب أسود في حقل القطن، وأليست هي الهوية التي أعطت الفرصة لبلال الحبشي رضِي الله عنه أن يصعد فوق الكعبة ليؤذن، وبجوارها الكثير من أشراف العرب؟ فانظر إلى هذا المستوى من الإنسانية الذي تميزت به هويتنا الإسلامية، على خلاف ما يحدث بين أصحاب الهويات الأخرى في البلد الواحد، حتى إنك لتجد التفرقة العنصرية في أشد دول العالم الغربي مناداة بالحرية والمساواة، وبالطبع كان لهذه الخصيصة أعظم الأثر في إقبال الناس على الإسلام ودخولهم فيه، وإن الهوية الإسلامية هوية حيوية قادرة على إخضاع الهويات الأخرى.

 

وتعتبر هذه من الخصائص التي تجعل أعداء الإسلام يخافون أشد الخوف من الهوية الإسلامية، ولقد تحدث علماء الغرب عن حيوية الإسلام وقدرته على استيعاب أطوار الحياة، وقدرته كذلك على توليد أفكار جديدة، وقد يتساءل البعض، عما إذا كان نظام الإسلام يستطيع توليد أفكار جديدة، وإصدار أحكام مستقلة تتفق وما تتطلبه الحياة العصرية، فالجواب عن هذه المسألة هو أن في نظام الإسلام كل استعداد داخلي للنمو، بل إنه من حيث قابليته للتطور يفضل كثيرا من النظم المماثلة، والصعوبة لم تكن في انعدام وسائل النمو والنهضة في الشرع الإسلامي، وإنما في انعدام الميل إلى استخدامها، وأن بلا شك أن الشريعة الإسلامية تحتوي بوفرة على جميع المبادئ اللازمة للنهوض.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

error: محتوى محمى !!